فصل: تنبيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ في حاجة المفسر إلى الفهم والتبحر في العلوم:

كتاب الله بحره عَمِيقٌ وَفَهْمُهُ دَقِيقٌ لَا يَصِلُ إِلَى فَهْمِهِ إِلَّا مَنْ تَبَحَّرَ فِي الْعُلُومِ وَعَامَلَ اللَّهَ بِتَقْوَاهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَأَجَلُّهُ عِنْدَ مَوَاقِفَ الشُّبُهَاتِ وَاللَّطَائِفُ وَالْحَقَائِقُ لَا يَفْهَمُهَا إِلَّا مَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ فَالْعِبَارَاتُ لِلْعُمُومِ وَهِيَ للسمع والإشارات للخصوص وهي للعقل وللطائف للأولياء وهي المشاهد والحقائق للأنبياء وهي الاستسلام.
وللكل وَصْفٍ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ وَحَدٌّ وَمَطْلَعٌ فَالظَّاهِرُ التِّلَاوَةُ وَالْبَاطِنُ الْفَهْمُ وَالْحَدُّ إِحْكَامُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْمَطْلَعُ أَيِ الْإِشْرَاقِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ الْمُلَاحَظَةَ بِانَ لَهُ بَسْطُ الْمُوَازَنَةِ وَظَهَرَ له حال المعاينة وفي صحيح ابن حيان عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ».
ثُمَّ فَوَائِدُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يُؤَهِّلُ لَهُ سَمْعُهُ فَمَنْ سَمِعَهُ مِنَ التَّالِي فَفَائِدَتُهُ فِيهِ عِلْمُ إِحْكَامِهِ وَمِنْ سَمِعَهُ كَأَنَّمَا يَسْمَعُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهُ عَلَى أُمَّتِهِ بِمَوْعِظَتِهِ وَتِبْيَانِ مُعْجِزَتِهِ وَانْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِلَطَائِفِ خِطَابِهِ وَمَنْ سَمِعَهُ كَأَنَّمَا سَمْعَهُ مِنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقْرَؤُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَاهِدُ فِي ذَلِكَ مُطَالَعَاتِ الْغُيُوبِ وَالنُّطْقِ إِلَى مَا فِيهِ مِنَ الْوُعُودِ وَمَنْ سَمِعَ الْخِطَابَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ فَنِيَ عِنْدَهُ وَامَّحَتْ صِفَاتُهُ وَصَارَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ التَّحْقِيقِ عَنْ مُشَاهَدَةِ عِلْمِ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ وَحَقِّ الْيَقِينِ وَقَدْ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَرَادَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ والآخرين فليثور القرآن.
قال ابن سبع في شِفَاءِ الصُّدُورِ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ تَفْسِيرِ الظَّاهِرِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لِكُلِّ آيَةٍ سِتُّونَ أَلْفَ فَهْمٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ فَهْمِهَا أَكْثَرُ وَقَالَ آخَرُ: الْقُرْآنُ يَحْوِي سَبْعَةً وَسَبْعِينَ أَلْفَ عِلْمٍ وَمِائَتَيْ عِلْمٍ إِذْ لِكُلِّ كَلِمَةٍ عِلْمٌ ثُمَّ يَتَضَاعَفُ ذَلِكَ أَرْبَعَةً إِذْ لِكُلِّ كَلِمَةٍ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ وَحَدٌّ وَمَطْلَعٌ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعُلُومُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَفِي الْقُرْآنِ شَرْحُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَهَذِهِ الْأُمُورُ تَدُلُّ عَلَى أَنْ فِهْمَ مَعَانِي الْقُرْآنِ مَجَالًا رَحْبًا وَمُتَّسَعًا بَالِغًا وَأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ ظَاهِرِ التَّفْسِيرِ لَيْسَ يَنْتَهِي الْإِدْرَاكُ فِيهِ بِالنَّقْلِ وَالسَّمَاعُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ التَّفْسِيرِ لِيَتَّقِيَ بِهِ مَوَاضِعَ الْغَلَطِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّسِعُ الْفَهْمُ وَالِاسْتِنْبَاطُ وَالْغَرَائِبُ الَّتِي لَا تُفْهَمُ إِلَّا بِاسْتِمَاعِ فُنُونٍ كَثِيرَةٍ وَلَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى جُمَلٍ مِنْهَا لِيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى أَمْثَالِهَا وَيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّهَاوُنُ بِحِفْظِ التَّفْسِيرِ الظَّاهِرِ أَوَّلًا وَلَا مَطْمَعَ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْبَاطِنِ قَبْلَ إِحْكَامِ الظَّاهِرِ.
وَمَنِ ادَّعَى فَهْمَ أَسْرَارِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُحْكِمِ التَّفْسِيرَ الظَّاهِرَ فَهُوَ كَمَنِ ادَّعَى الْبُلُوغَ إِلَى صَدْرِ الْبَيْتِ قَبْلَ تَجَاوُزِ الْبَابِ فَظَاهِرُ التَّفْسِيرِ يَجْرِي مَجْرَى تَعَلُّمِ اللُّغَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لِلْفَهْمِ وَمَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ اسْتِمَاعِ كَثِيرٍ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَمَا كَانَ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى لُغَتِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا أَوْ مَعْرِفَةِ أَكْثَرِهَا إذ الغرض مما ذَكَرْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى طَرِيقِ الْفَهْمِ لِيُفْتَحَ بَابُهُ وَيَسْتَدِلُّ الْمُرِيدُ بِتِلْكَ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ فهم باطن علم القرآن ظاهره عَلَى أَنَّ فَهْمَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَا غاية له كما لانهاية لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ فَأَمَّا الِاسْتِقْصَاءُ فَلَا مَطْمَعَ فِيهِ لِلْبَشَرِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ وَفَهْمٌ وَتَقْوَى وَتَدَبُّرٌ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ لَذَّةِ الْقُرْآنِ شَيْئًا.
وَمَنْ أَحَاطَ بِظَاهِرِ التَّفْسِيرِ-وَهُوَ مَعْنَى الْأَلْفَاظِ فِي اللُّغَةِ- لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ فِي فَهْمِ حَقَائِقِ الْمَعَانِي وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ الله رمى} فَظَاهِرُ تَفْسِيرِهِ وَاضِحٌ وَحَقِيقَةُ مَعْنَاهُ غَامِضَةٌ فَإِنَّهُ إِثْبَاتٌ لِلرَّمْيِ وَنَفْيٌ لَهُ وَهُمَا مُتَضَادَّانِ فِي الظَّاهِرِ مَا لَمْ يُفْهَمْ أَنَّهُ رَمَى من وجه ولم يرم من جهة وَمِنَ الْوَجْهِ الَّذِي لَمْ يَرْمِ مَا رَمَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَكَذَلِكَ قَالَ: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بأيديكم} فَإِذَا كَانُوا هُمُ الْقَاتِلِينَ كَيْفَ يَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُعَذِّبُ وَإِنْ كَانَ تَعَالَى هُوَ الْمُعَذِّبَ بِتَحْرِيكِ أَيْدِيهِمْ فَمَا مَعْنَى أَمَرِهِمْ بِالْقِتَالِ.
فَحَقِيقَةُ هَذَا تُسْتَمَدُّ مِنْ بَحْرٍ عَظِيمٍ مِنْ عُلُومِ الْمُكَاشَفَاتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ وَجْهُ ارتباط الأفعال بالقدرة وتفهم وَجْهُ ارْتِبَاطِ الْقُدْرَةِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَتَكَشَّفَ وَتَتَّضِحَ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَفَاوُتُ الْخَلْقِ فِي الْفَهْمِ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي مَعْرِفَةِ ظَاهِرِ التفسير.

.فصل في أمهات مآخذ التفسير للناظر في القرآن:

لطالب التَّفْسِيرِ مَآخِذُ كَثِيرَةٌ أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعَةٌ:

.الْأَوَّلُ: النَّقْلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

وَهَذَا هُوَ الطِّرَازُ الْأَوَّلُ لَكِنْ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنَ الضَّعِيفِ فِيهِ وَالْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ وَإِنَّ سَوَادَ الْأَوْرَاقِ سَوَادٌ فِي الْقَلْبِ قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ثلاثة كُتُبٍ لَيْسَ لَهَا أُصُولٌ الْمَغَازِي وَالْمَلَاحِمُ وَالتَّفْسِيرُ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ: وَمُرَادُهُ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَسَانِيدُ صِحَاحٌ مُتَّصِلَةٌ وَإِلَّا فَقَدَ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
فَمِنْ ذَلِكَ تَفْسِيرُ الظُّلْمِ بِالشِّرْكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}.
وَتَفْسِيرُ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ بِالْعَرْضِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.
وَتَفْسِيرُ القوة في {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} بِالرَّمْيِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِذَلِكَ يُرَدُّ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ بِالْخَيْلِ.
وَكَتَفْسِيرِ الْعِبَادَةِ بِالدُّعَاءِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الذين يستكبرون عن عبادتي} الثَّانِي: الْأَخْذُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ.
فَإِنَّ تَفْسِيرَهُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَهُ الْحَاكِمُ فِي تَفْسِيرِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يُحْتَمَلُ أَلَّا يُرْجَعَ إِلَيْهِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لَا الرَّأْيِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ وقال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ وَأَيْنَ نَزَلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَنَالُهُ الْمَطَايَا لَأَتَيْتُهُ وَقَالَ أَيْضًا: كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَتَجَاوَزْهُنَّ حَتَّى يَعْلَمَ مَعَانِيهِنَّ وَالْعَمَلَ بِهِنَّ.

.(الثاني) وَصُدُورُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ:

عَلِيٌّ ثُمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ-وَهُوَ تَجَرَّدَ لِهَذَا الشَّأْنِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنَ الْمَحْفُوظِ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ أَخَذَ عَنْ عَلِيٍّ- وَيَتْلُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكُلُّ مَا وَرَدَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ فَحَسَنٌ مقدم.

.مسألة في الرجوع إلى أقوال التابعين ثم ذكر طبقات المفسرين:

وَفِي الرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِ التَّابِعِيِّ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ الْمَنْعَ وَحَكَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ لَكِنَّ عَمَلَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ حكوا في كتبهم أقوالهم كالضحاك ابن مُزَاحِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحَيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ومقاتل بن سليمان وعطاء بن أبي سلمة الْخُرَاسَانِيِّ وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَبْدِ الله بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
فَهَذِهِ تَفَاسِيرُ الْقُدَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ وَغَالِبُ أَقْوَالِهِمْ تَلَقَّوْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَعَلَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَآرَائِهِمْ.
وَمِنَ الْمُبَرَّزِينَ فِي التَّابِعِينَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ثُمَّ يَتْلُوهُمْ عِكْرِمَةُ وَالضِّحَاكُ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا أَخَذَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ.
وَأَمَّا عامر السُّدِّيِّ فَكَانَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ يَطْعَنُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَبِي صَالِحٍ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَاهُمَا مُقَصِّرَيْنِ فِي النَّظَرِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِهِ الْكَامِلِ: لِلْكَلْبِيِّ أَحَادِيثٌ صَالِحَةٌ وَخَاصَّةً عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالتَّفْسِيرِ وَلَيْسَ لأحد تفسير أطول منه.
ولا أشيع فيه وَبَعْدَهُ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِلَّا أَنَّ الْكَلْبِيَّ يُفَضَّلُ عَلَى مُقَاتِلٍ لِمَا فِي مُقَاتِلٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الرَّدِيئَةِ ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الطَّبَقَةِ أُلِّفَتْ تَفَاسِيرُ تَجْمَعُ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَتَفْسِيرِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَالْمُفَضَّلِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَرَوْحِ بن عبادة ويحيى ابن قُرَيْشٍ وَمَالِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَرَوِيِّ وَعَبْدِ بْنِ حميد الكشي وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ وَصَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْيَزِيدِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرِ بن إياس السعدي ويحيى ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ أبي طلحة وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ وَسُنَيْدٍ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ جَمَعَ عَلَى النَّاسِ أَشْتَاتَ التَّفَاسِيرِ وَقَرَّبَ الْبَعِيدَ وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ وَأَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فَكَثِيرًا مَا اسْتَدْرَكَ النَّاسُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى سَنَنِهِمَا مَكِّيٌّ وَالْمَهْدَوِيُّ حَسَنُ التَّأْلِيفِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَبِعَهُمْ كَابْنِ عَطِيَّةَ وَكُلُّهُمْ مُتْقِنٌ مَأْجُورٌ فَجَزَاهُمُ الله خيرا.

.تنبيه:

فيما يجب أن يلاحظ عند نقل أقوال المفسرين:
يكثر في معنى الآية أقوالهم واختلافهم ويحيكه الْمُصَنِّفُونَ لِلتَّفْسِيرِ بِعِبَارَاتٍ مُتَبَايِنَةِ الْأَلْفَاظِ وَيَظُنُّ مَنْ لَا فَهْمَ عِنْدِهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا فَيَحْكِيهِ أَقْوَالًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَكَرَ مَعْنًى ظَهَرَ مِنَ الْآيَةِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِلِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَلْيَقَ بِحَالِ السَّائِلِ وَقَدْ يكون بَعْضُهُمْ يُخْبِرُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ وَنَظِيرِهِ وَالْآخَرُ بِمَقْصُودِهِ وَثَمَرَتِهِ وَالْكُلُّ يُؤَوَّلُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ غَالِبًا وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ فَلْيُتَفَطَّنْ لِذَلِكَ وَلَا يُفْهَمْ مِنَ اخْتِلَافِ الْعِبَارَاتِ اخْتِلَافُ الْمُرَادَاتِ كَمَا قِيلَ:
عِبَارَاتُنَا شَتَّى وَحُسْنُكَ وَاحِدٌ ** وَكُلٌّ إِلَى ذَاكَ الْجَمَالِ يُشِيرُ

هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ فَالْمُتَأَخِّرُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ عَنْهُ إِنِ اسْتَوَيَا فِي الصِّحَّةِ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ الْمُقَدَّمُ وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْمُفَسِّرُونَ شَيْئًا فِي الْآيَةِ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ لِمَا دَخَلَ فِي الْآيَةِ فَيَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ قَصَرَ الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ شَخْصٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ قَوْلَهُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {نأت بخير منها أو مثلها} مَا ذَهَبَ اللَّهُ بِوَلِيٍّ إِلَّا أَتَى بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ.

.الثَّالِثُ: الْأَخْذُ بِمُطْلَقِ اللُّغَةِ:

فإن القرآن نزل {بلسان عربي مبين} وَقَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مَوَاضِعَ لَكِنْ نَقَلَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ تَمَثَّلَ لَهُ رَجُلٌ بِبَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي فَقِيلَ: ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: فِي جَوَازِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ وَقِيلَ: الْكَرَاهَةُ تُحْمَلُ عَلَى مَنْ يَصْرِفُ الْآيَةَ عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَى مَعَانٍ خَارِجَةٍ مُحْتَمَلَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْقَلِيلُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا يُوجَدُ غَالِبًا إِلَّا فِي الشِّعْرِ وَنَحْوِهِ وَيَكُونُ الْمُتَبَادِرُ خِلَافَهَا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ غَيْرِ عَالِمٍ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ يُفَسِّرُ كِتَابَ اللَّهِ إِلَّا جَعَلْتُهُ نِكَالًا.